سجون الأسد- قرن من الرعب، اقتصاد الكبتاجون وخيانة الوطن

المؤلف: حمود أبو طالب10.27.2025
سجون الأسد- قرن من الرعب، اقتصاد الكبتاجون وخيانة الوطن

لا يزال الذهول يسيطر على النفوس جراء المشاهد المروعة المتدفقة من أقبية السجون والمعتقلات السورية، والتي تجسد فظائع عهد أسرة الأسد، تلك الحقبة المظلمة التي جاوزت النصف قرن. سجن صيدنايا، ذلك الاسم المرعب، بات رمزاً للرعب والجور، يتردد صداه في أرجاء العالم، فهو ليس سوى غيض من فيض من أماكن العذاب التي احتضنت مئات الآلاف من الأبرياء في ظل النظام البائد. لطالما شهد التاريخ أنظمة قمعية شيدت سجوناً موغلة في الوحشية، حفرت ذكراها في وجدان الإنسانية، وألهمت ظهور أدب السجون الذي يصور تلك الفظائع بأدق تفاصيلها. ولكن عندما نتأمل واقع السجون السورية، فإننا نتحدث عن مآسٍ وقعت في القرن العشرين والحادي والعشرين، في زمن يشهد انفتاحاً عالمياً وتدفقاً للمعلومات، زمن يفترض فيه أن يكون من المستحيل إخفاء الحقائق، ومع ذلك، تجرع السوريون مرارة الظلم والقهر، وتكشف للعالم فظائع تفوق الخيال. إنها السياسة الدولية بموازينها ومصالحها المتضاربة، تغض الطرف عن أبشع الجرائم متى شاءت، وتُظهرها للعلن عندما تخدم مصالحها.

الآن، وبعد انقضاء عهد الأسد وكشف النقاب عن ممارساته الشائنة، بات بإمكاننا التعمق في فهم العقلية التي أدار بها حزب البعث السوري بلداً عريقاً وشعباً أصيلاً. هل كان النظام يفكر حقاً في ازدهار البلاد وتنميتها وتحديثها؟ هل تعامل مع الشعب والوطن بمسؤولية وواجب؟ الإجابة واضحة: قطعاً لا. لقد تعامل النظام مع الشعب السوري كتهديد وجودي، وغرس في نفوسهم الخوف والرعب. وبدلاً من بناء المرافق الضرورية للحياة، انصب اهتمامه على تشييد المزيد من السجون، والابتكار في تصميمها، وتعيين أعتى المجرمين وأحقرهم لإدارتها، بهدف الزج بالأبرياء في غياهب النسيان لعقود من الزمن دون تهمة واضحة أو محاكمة عادلة. ومثل هذا الوضع المأساوي يستلزم وجود مقابر جماعية ملحقة بالسجون، كما تكشف بعد يوم 8 ديسمبر المشؤوم.

كان بإمكان سوريا أن تمتلك اقتصاداً مزدهراً يعتمد على مقوماتها الهائلة، من موارد طبيعية ثرية ورأسمال بشري متميز، لكن نظام بشار الأسد ابتكر مصدراً للدخل خاصاً بالحزب والعائلة، لم يجرؤ أي نظام حاكم آخر على فعله بتلك الوقاحة والتجرد من الأخلاق، حتى في الدول التي اشتهرت بوجود أكبر عصابات المخدرات. اقتصاد الكبتاجون، الذي ابتدعه بشار وأعوانه، سيظل وصمة عار تلاحق تاريخهم الملطخ بالدماء، وستلعنهم كل المجتمعات التي اكتوت بنار هذه التجارة السامة. لطالما علمنا بتلك الحقيقة المؤلمة من خلال الكميات الهائلة المصادرة من المخدرات السورية في الدول المستهدفة، لكن لم نكن نتخيل أبداً أن تصنيع هذه السموم يتم في المرافق الحكومية والعسكرية التابعة للنظام، وبإشرافه وإدارته المباشرة. أي خزي يمكن أن يكون أكبر من هذا؟

تلك هي النتيجة الحتمية للحكم المنبثق من فكر فاسد وأيديولوجيات مريضة، دمار الأوطان ومعاناة الشعوب. بلد عريق كسوريا كان بإمكانه أن يتبوأ مكانة مرموقة في صدارة الدول المتقدمة، لكنه اختُطف على مدار نصف قرن تقريباً من قبل عصابة حكمته بالجهل والقمع والترهيب، في غياب تام لأي شعور بالانتماء أو المسؤولية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة